echourouk
اختلافهما لم يكن رحمة على الأمة
القرضاوي والبوطي..أين الحق؟
م صالحي / ب. عيسى / ع. س / ناصر / صالح عوض / آسيا.ش
لم يكن أحد في العالم الإسلامي أو غيره يتوقع أن تنقلب علاقة الشيخين، يوسف القرضاوي ومحمد السعيد رمضان البوطي، الوثيقة والطيبة، وبالنظر إلى رصيدهما العلمي في قضايا الدين والدنيا، ورئاستهما لأعلى مؤسستين علميتين، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين واتحاد علماء الشام، إلى علاقة توتر وتصادم بلغت حد التناقض في تقديرهما الشرعي والموضوعي لتطورات وإسقاطات ما عرف بالربيع العربي، رغم أنه كان لهما موقف منسجم بشأن مسألة الخروج على ولي الأمر، مثلما حدث مع الوضع في ليبيا وسوريا والجزائر في الثمانينيات.
وبينما ظل البوطي ثابتا، انطلاقا من أن النظام لم يصل حد الكفر البواح وأن الجهاد الحقيقي لم يعد ممكنا إلا في فلسطين، تطور موقف القرضاوي بعد هذه السنين ، وراح يؤيد حراك الشارع العربي، بل ويحرض الرأي العام على الانخراط في “الثورات” والإطاحة بأنظمة الحكم، المعروفة بقمعها ومناهضتها للحريات وقتلها لكل معارض أو داع للتغيير واحترام الحريات، مواكبا موقف الدوحة من التطورات، والتي اجتهدت في دعم الثورات ماليا، وسياسيا ودبلوماسيا.
ورغم كل هذا الخلاف، الذي انتهى باغتيال رمضان البوطي داخل مسجد الإيمان بدمشق، بعد أربعة أيام فقط من انتقاد القرضاوي للبوطي عبر حصة “الشريعة والحياة” بفضائية “الجزيرة”، واتهامه بالغوغائية وفقدان العقل والانحراف عن الحق، فإن مكانة الشيخين تبقى راسخة لدى الجزائريين، محترمة إلى حد التبجيل، إذ أبانا عن حب صادق ومخلص للجزائر وللشعب الجزائري أيام الرخاء كما هو أيام المحنة، وسعوا إلى التأسيس لفكر ديني وسطي، وجعلوا من طبعات ملتقى الفكر الإسلامي منبرا دوليا يدعو إلى الوسطية والاعتدال، وإلى مواجهة تحديات العصر وأسئلته الطارئة الحائرة، بعيدا عن التطرف والتزلف، ليجد المسلم في دينه وبلده راحة ورحمة، والآخر ملاذا آمنا من غلو الكفر والفلسفات المادية ليعود إلى إنسانيته ورسالته كخليفة في الأرض.
.
بدايته جزائرية ونهايته جزائرية
البوطي .. العالم الوحيد الذي لم يجامل الفيس
هل أخطا سعيد رمضان البوطي في أيامه الأخيرة بتمجيده لنظام الأسد ومطالبته للجهاد في صف رئيس يُجمع كل العرب والمسلمين أنه جبار وطاغية؟ سؤال حائر، وحتى الذين يجيبون بنعم من الجزائريين يمنحون فيه فسحة من الأعذار لرجل بلغ سن الرابعة والثمانين.
الجميع، ورغم كل الانتقادات، لا ينسون التواجد القوي والمؤثر للبوطي في الجزائر، الذي بدأ حياته بنفحات جزائرية عندما كتب عام 1962 عن جميلات الجزائر، وعن انتصار الثوار، وكان سنه قد بلغ السادسة والثلاثين، وأنهاها بالحديث عن الجزائر ضمن سلسلة متواجدة حاليا في مختلف المواقع المرئية والمسموعة بعنوان “إطلالة على الماضي.. والجزائر نموذجا”، حيث عاد الراحل سعيد البوطي إلى سنوات الفتنة الجزائرية وتحدث عن البلد الآمن الذي كان يزوره منذ أن قرّر أن يكون رقما مهما في ملتقى الفكر الإسلامي إلى غاية أواخر الثمانينات عندما كان يدرس في الجامعة الإسلامية بقسنطينة بشكل دوري.
وعندما تحولت الجزائر إلى دمار ورماد، عاد البوطي ليؤسس من جديد لصورة الجزائر التي يحلم بها الجزائريون والتي ألفها العالم فساهم ترقية المصالحة الوطنية، وقال ان الجزائر لو لم تتعرض لعشرية من الدمار لكانت من بين البلدان الكبرى في العالم ونموذجا لكل الدولة العربية والإسلامية.
كثير من الجزائريين فضلوا أن يذكروا موتاهم، ومنهم الشيخ رمضان البوطي، بخير، وأن ينسوا له بعض الزلات في موقفه الداعم لنظام الأسد، ومنهم من صلى صلاة الغائب على روح رجل جمعته دائما علاقة متميزة بالجزائر التي كانت في ملتقيات الفكر الإسلامي منذ أواخر الستينات تدعو لنبذ المذهبية، حيث كان البوطي يشيد بتواجد الإباضيين والإخوانيين وحتى الشيعة في شخص موسى الصدر، الذي حضر ملتقى الفكر الإسلامي، الذي احتضنته تيزي وزو عام 1973 ، ويعتبر الجزائر داعية لجمع شمل المسلمين من خلال الوسطية التي تذيب الخلافات التي حاول الاستعمار القديم والحديث إثارتها في الأوطان العربية، ونجح في العراق وأيضا في سوريا، حيث عرف الناس بعد قرون من الأمان أن في العراق شيعة وأكراد وفي سوريا أكراد وعلويون.
وعلى مدار زيارات الشيخ البوطي من أول زيارة للجزائر عام 1969 إلى آخر زيارة عام 2007 ، لم يُغيّر أبدا من موقفه الوسطي، إلى أن توفي كما توفي عمر بن الخطاب وعلي بن طالب والشيخ ياسين في المسجد.
.
محمد سعيد رمضان البوطي ..عالم نبذ العنف فقتل في المحراب
محمد سعيد رمضان البوطي (1929 – 2013)، عالم متخصص في العلوم الإسلامية، يمثل التوجه المحافظ على مذاهب أهل السنة الأربعة وعقيدة أهل السنة وفق منهج الأشاعرة، إذ ينبذ استعمال العنف في التغيير، ويحرم الخروج على ولي الأمر حتى ولو كان فاسدا، الا إذا ثبت كفره، ويعتبر أيضا من أهم من واجه الآراء السلفية ورد على الفلسفات المادية والألحادية، كما يعتبر من أهم المرجعيات الدينية على مستوى العالم الإسلامي، ما أهله ليترأس اتحاد علماء الشام، ويصبح من أكثر الشخصيات تأثيرا في العام.
محمد السعيد رمضان البوطي ولد في قرية جليكا في تركيا، حفظ القرآن في السادسة من عمره، هاجر مع والده الشيخ ملا رمضان إلى دمشق، وهو عالم دين وأحد شيوخ الصوفية، حيث تلقى التعليم الديني والنظامي بمدارس، ثم انتقل إلى الأزهر الشريف بمصر وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة.
محمد البوطي وان رحل عنا منذ أيام لكنه سيبقي حيا من خلال أكثر من 60 كتابا قيما تركها وراءه، وكان لها أثر كبير على مستوى العالم الإسلامي، تتناول علوم الشريعة، التصوف، ومشكلات الحضارة، أهمها، “هذا ما قلته أمام بعض الرؤساء والملوك”، “الجهاد في الإسلام.. كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟”، “السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”، “شخصيات استوقفتني”.
كما كانت له عدة مساهمات فكرية ومناقشات عبر حصص وبرامج إذاعية وتلفزيونية سورية وعربية ودولية، كان لها أثر أكبر لأنها تخاطب الإنسان بشكل مباشر، ما جعل منه عالما مسموع الصوت والرأي، منها برنامج “لا يأتيه الباطل”، “صانعو القرار”، “الجديد في إعجاز القرآن الكريم”، “هذا هو الجهاد”.
وكان للجزائر حظ كبير في الاستفادة من نشاط البوطي وفكره الواسع الملم بأحكام الفقه والشريعة، فقد كتب عن ثورة التحرير وعن جميلات الجزائر في 1962، كما كان حاضرا بقوة في طبعات ملتقى الفكر الإسلامي، إلى جانب تدريسه في الجامعة الإسلامية بقسنطينة بشكل دوري، وخلافا لبعض العلماء، ظلت روح البوطي مرتبطة بالجزائر وشعبها خلال الأزمة الأمنية التي مرت بها، حيث أشاد بالتعدد المذهبي السلمي والمتعايش، ودعا إلى السلم المدني والاجتماعي ورفض استعمال العنف والسلاح لمقارعة السلطة، لأنه كان تخشى الفتنة وما يتلوها من تشرذم.
سياسيا، وكما تسببت له في الكثير من الانتقاد، استفاد البوطي من علاقته مع النظام السياسي الحاكم في سوريا منذ عهد حافظ الأسد، الذي أعجت بكتابات البوطي فطلب لقاءه، وداوم على حضور جلسات طويلة معه، وقد أثمر هذا التواصل والثقة باستجابة حافظ الأسد لطلبه بإطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين، وعودة من خرجوا بعد أحداث مدينة حماة ضد جماعة الإخوان المسلمين في 1982الدامية، بالإضافة إلى معالجة كثير من القضايا الأخرى المتعلقة بالنشاط الديني، وفتح باب وسائل الأعلام أمام أفكاره.
وكان وقوفه مع النظام السوري في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين مدعاة لانتقاده آنذاك، لقناعته بعدم جواز الخروج على الحاكم، وأن هذا الحاكم لم يصل إلى الكفر البواح ليجوز التمرد عليه.
لكن مسار حياة البوطي عرف منعطفا حادا، بعد اندلاع أحداث سوريا في 2011 للمطالبة بالديمقراطية ثم تغيير نظام الحكم، ثم الإطاحة به، على غرار ما حدث لنظرائه في تونس، مصر ليبيا واليمن في أحداث ما عرف مجازا بالربيع العربي، حيث ظل موقفه الرافض للعنف ثابتا، رغم الانتقادات اللاذعة المناهضة لحكم بشار الأسد، وقبله حافظ الأسد، انطلاقا من قناعة شرعية وأخرى ميدانية تشير الى تورط الغرب في الحراك الشعبي، حيث أصبحت مكانة البوطي في العالم الإسلامي مثارا للجدل والخلاف، بل وذهب بعض العلماء، ومن أصدقاء الأمس، إلى الطعن في أهليته العلمية، وإهدار دمه، من بينهم يوسف القرضاوي.
وانتهى هذا المنعرج باغتياله يوم 21 مارس 2013، داخل مسجد الايمان بدمشق، في تفجير انتحاري، أودى بحياة حفيده أبضا مع 45 شخصا آخر، وبينما كان جثمان العالم يسجى ويشيع، تضاربت الآراء حول الجهة المسؤولة على اغتياله، وتراوحت بين اتهام نظام الأسد، والمعارضة، أو حتى جهات استخباراتية لها مصلحة في دفن فكر وصوت البوطي، رحمة الله عليه، ليفقد العالم الإسلامي علما كبيرا في وقت هي في أمس الحاجة إليه والى أمثاله، حيث تشتت المذاهب وأصبحت الفتاوى تقدم تحت الطلب.
.
الشيخ البوطي.. وعدم الخروج على الحاكم
ينتمي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي إلى سلسلة علماء أهل السنة والجماعة في موقفهم من الحاكم، حيث النصح والمعارضة باللسان في أشد اللحظات مواجهة..ورفض الخروج على الحاكم بالسلاح واعتبار ذلك مدعاة الى الفتنة، ذلك ما لم يعلن الحاكم كفرا بواحا .. ولقد واجه علماء أهل السنة واقعات كثيرة عبر التاريخ أشد ايلاما وأبشع مشهدا فما كان منهم إلا الصمت أو الاعتراض اللفظي..
يرى البوطي ابن المدرسة الدينية وصاحب دراسة السيرة واليقينيات الكبرى أن النصح للحاكم هو الأولى، وان درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وانه لابد من اختيار أخف الضررين.
كان موقفه من أحداث سابقة في سوريا واضحا، حيث لم يؤيد خروج الإخوان المسلمين بالسلاح على نظام حافظ الأسد، وهو يؤسس لموقفه من باب فقهي وباب سياسي، فالباب الفقهي هو ما سبق الإشارة اليه، واما الموقف السياسي فهو انه أثار قضية الموازنات، إذ كيف يعلن الإخوان المسلمون حربا على نظام حافظ الأسد في بداية 1980 بعد أن رفض اتفاقيات كامبديفد، في الوقت الذي يحافظون فيه على السلم في مصر في ظل نظام يدخل مع إسرائيل في اتفاقيات الصلح والتطبيع والتخلي عن فلسطين..رفض الشيخ البوطي الانحياز الى المقاتلين الإسلاميين ودعاهم إلى ترك السلاح .
وفي بداية التسعينيات اندلعت أعمال العنف في الجزائر فأصدر فتواه وأعلن موقفه مجددا بالتنديد بكل طرق العنف الداخلي والاحتراب، وناشد الجزائريين ألا يلجأوا الى هذا النهج لأن فيه فساد عظيم..
ومع بداية الأحداث في سوريا، أشهر موقفه بعدم جواز قتل رجال الأمن أو الاعتداء على مؤسسات الدولة، ودعا الى الاكتفاء بالأعمال السلمية..وحذر الشيخ البوطي زميله الشيخ القرضاوي من مغبة تصريحاته التحريضية، وناشده الا يتدخل في شؤون سورية .. وأكد الشيخ البوطي أن هناك مؤامرة تستهدف سورية تقوم بها دول غربية وعملاء لها في المنطقة العربية .. من هنا كان الشيخ يرى أن اجتهاد هؤلاء الذين اندفعوا لحمل السلاح خطأ، ويدعوهم الى التراجع والاتيان الى سوريا وعرض ما يريدون، ويبحثوا عن حلول سلمية تخرج سورية من الفتنة الدهماء.
ما يعرف عن الشيخ البوطي تواضعه وإصراره طيلة حياته على ألا يجلس مع سلطان على مائدة طعام، فلم يسبق للشيخ أن لبى دعوة للرئيس الأسد الوالد والابن في إفطار يوم من رمضان معتذرا بالاعتكاف.
ظل الشيخ البوطي في موقفه أمينا لاجتهاد علماء أهل السنة والجماعة الذي ركزه الإمام حسن الهضيبي في مقولة “نحن دعاة لا قضاة”.
.
وقف إلى جانب الحراك الشعبي وأدار ظهره لاحتجاجات تجوب دول الخليج
القرضاوي.. استباح دم القذافي وطالب برأس الأسد واعتبر حراك البحرين مذهبيا
تابع الشيخ يوسف القرضاوي مجريات حراك الشارع العربي، أو ما عرف بالربيع العربي، مسجلا حضوره عبر الفتاوى التي ما انفك يطلقها، بداية من تونس ومصر وبعدها ليبيا وسوريا، ولكنه أحجم عن دعم الحراك في البحرين واحتجاجات متقطعة بدول خليجية أخرى، واعتبر الوضع هناك حراكا مذهبيا، في إشارة الى الشيعة. ويلخص تصريح الشيخ، الذي قال فيه: “أنا أعتبر نفسي جنديا في ثورات الربيع العربي كلها، ابتداء من ثورة تونس، فثورة مصر، فثورة ليبيا، فثورة اليمن، فالثورة السورية الحالية”، نظرة الشيخ إلى ما جرى.
استعمل الشيخ يوسف القرضاوي في دعمه للحراك الشعبي أسلوب الفتوى وشحذ الهمم عبر منابر إعلامية ومسجدية، ففي مصر أفتى بتحريم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وقال:”أيُّ شرطيٍّ يطلق النار على متظاهر لم يبدر منه ما يستحق القتل مجرم وآثم”. وطالب بعدم الاستجابة للقادة ومَن يقول: إنه عبد مأمور. أقول له: أنت عبد لله، والقتل حرام”.
ورفع القرضاوي السقف عاليا في ليبيا، ولم يتوان عن إصدار فتوى بإهدار دم معمر القذافي، بسبب قتله أبناء شعبه عن طريق قصفهم بالطائرات واستخدام المرتزقة الأجانب لقتلهم. وطالب في فتواه من قادة وضباط وجنود الجيش الليبي بـ”ألا يسمعوا ولا يطيعوا أوامر القذافي بقتل أبناء شعبهم، لأن السمع والطاعة هنا حرام، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.
وقال القرضاوي: “أصدر الآن فتوى بقتل القذافي.. أي ضابط أو جندي أو أي شخص يتمكن من أن يطلق عليه رصاصة فليفعل، ليريح الليبيين والأمة من شر هذا الرجل المجنون وظلمه”، وأضاف: “لا يجوز لأي ضابط أن يطيع هذا الرجل في المعصية والظلم والبغي على العباد”. ووصف القرضاوي نجل معمر القذافي، سيف الإسلام القذافي، بأنه “سيف من سيوف الجاهلية، وقد أراد بخطابه تسليط الشعب الليبي بعضه على بعض”.
ولم يختلف الأمر في سوريا، حيث طالب برأس بشار الأسد، وهاجم بحدة الشيخ محمد السعيد رمضان البوطي، معتبرا إياه حليفا لحاكم جائر، وطعن في علمه وقواه العقلية، وأكد محاربة المستبد ومن كان معه ولو من العلماء.
وعلى العكس، فقد كان للقرضاوي موقف مغاير من الحراك في البحرين، التي وصفها بالمذهبية، واتهمها بأنها ثورة طائفية شيعية موجهة ضد السنّة، واعتبر أنها بذلك تختلف عن الحركات الاحتجاجية في مصر وتونس وليبيا ومصر، واستغرب القرضاوي بشدة من قيام المتظاهرين البحرينيين بمهاجمة أهداف للسنة، وحمل مرجعيات شيعية غير بحرينيّة مسؤولية ما يحدث.
.
الشيخ القرضاوي تزوّج جزائرية .. وعشق الجزائر والجزائريين
رغم الجدل الكبير الدائر في الجزائر حول شخصية الدكتور، يوسف القرضاوي، بعد مواقفه الأخيرة، سواء إفتائه بقتل الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، أو وصفه للراحل الداعية، سعيد رمضان البوطي، بالمختل عقليا، إلا أن يوسف القضاوي ما زال يلقى الاحترام من الكثير من الجزائريين، وحتى الذين ينبذون مواقفه يبررونه بسنه المتقدم الذي قارب السابعة والثمانين، ويربطون خرجاته الأخيرة بخرف السن لا أكثر ولا أقل.
ويقول الدكتور عمار طالبي لـ “الشروق اليومي” أن يوسف القرضاوي كان من أوائل العلماء الذين استجابوا للمشاركة وإنجاح ملتقيات الفكر الإسلامي في أواخر ستينيات القرن الماضي عندما تبنى الراحل، نايت بلقاسم، الملتقى الفكري الأكبر من نوعه في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وكان الملتقى من مبادرة مفكر العصر، مالك بن نبي.
فكان القرضاوي رفقة زميله الراحل، محمد الغزالي، يحضرون في كل سنة ويشيدون بالملتقى وبمفكري الجزائر مثل عبد المجيد مزيان وعبد الرحمان شيبان وأحمد حماني، وتواصل حضوره في زمن الشاذلي بن جديد، وعندما تم تدشين الجامعة الإسلامية “الأمير عبد القادر” بقسنطينة وتولى منصبها الشرفي والعلمي الشيخ محمد الغزالي، تكفل يوسف القرضاوي بإلقاء دروس دورية في الفقه، فكان من أول من درّس في هذه الجامعة منذ قرابة ثلاثين عاما.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالدكتور القرضاوي يعتبر نفسه من أبناء الجزائر، وهي بلده الثالث بعد مصر وقطر اللتين يحمل جنسيتهما، ويعترف بأن السلطة أيضا في الجزائر وقفت إلى جانبه في محنة منعه من دخول انجلترا عام 2006 ، حيث كان رئيس الجمهورية يراسله دائما، وعندما تعرض في زيارة سابقة للجزائر عام 2006 إلى محنة صحية، تم نقله إلى مستشفى عين النعجة العسكري في موكب رئاسي كبير، واطمأن عليه الرئيس قبل أن يتنقل إلى باريس حيث تكفل أيضا بروفيسور جزائري بمعالجته.
القرضاوي ارتبط بالجزائر أكثر بعد زاوجه من شابة جزائرية من سلالة الأمير عبد القادر، أسماء بن قادة، وهي برلمانية حاليا، وحتى إن كان هذا الزواج قد نسفه الطلاق، إلا أن قصائد ثناء وغزل الشيخ القرضاوي بزوجته السابقة مازالت محفورة في مذكراته التي ظهرت عام 2008، ومنها قوله في بيته الشعري:
“أترى يغدو بُعادي عنك وصلا واقترابا….. آه ما أحلى الأماني وإن كانت سرابا”.
هل هو طاعون “السن” الذي غيّر الشيخ؟ إنه سؤال الذين رفضوا مواقفه الأخيرة من الجزائريين؟
.
يوسف القرضاوي..عالم الشريعة والحياة وفقه الواقع
يوسف عبد الله القرضاوي، ولد في9 سبتمبر 1926، بالمحلة الكبرى في مصر، من أبرز علماء السنة، مساره في الاجتهاد والدعوة ثري، ولا تكاد مراجع وفهارس العلماء أن تفي بحوصلة وافية عنه، وساهمت ملكته وبديهته القوية والنادرة في تبوئه قيادة المنابر العلمية والدينية، فكان رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيسا للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضوا في مجمع البحوث الإسلامية في مصر.
القرضاوي حفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة، التحق بالأزهر الشريف وتخرج من الثانوية وكان ترتيبه الثاني، التحق الشيخ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية سنة1953، وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم 180 طالب، حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954 وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم 500، حصل القرضاوي على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب سنة 1958، وفي سنة 1960 حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين، وفي سنة 1973 حصل على الدكتوراة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، وكان موضوع الرسالة عن “الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية”.
ولم يخل انتماء القرضاوي إلى الإخوان المسلمين من اتخاذ مواقف سياسية من السلطة، ما عرضه للسجن عدة مرات، في العهد الملكي في 1949، اعتقل ثلاث مرات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بين 1954و1963، واعتبر القرضاوي، “الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة”، ومشروع الإمام حسن البنا هو “المشروع السني الذي يحتاج إلى تفعيل”، ووصف الإخوان المسلمين بأنهم “أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء”، ويعتبر القرضاوي منظر الجماعة الأول، حتى أنه عرض عليه منصب المرشد عدة مرات لكنه رفض.
وأمام هذه المتاعب والملاحقات انتقل سنة 1961إلى قطر، وعمل فيها مديرا للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره حصل على الجنسية القطرية، ليواصل مسيرته من هناك، حيث كان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كممثل للإخوان في قطر، إلى أن استعفي من العمل التنظيمي في الإخوان.
كما كانت قناعة القرضاوي بالفكر الاخواني وراء ترحيبه بتولي الإخوان حكم مصر، كما كانت وراء دعمه لوصول باقي الحركات الاخوانية في دول عربية مسها الحراك الشعبي، منها تونس والمغرب، في انتظار سوريا، حيث كانت له مواقف واضحة من الأحداث، إذ ساند حراك الشارع العربي وأفتى بشرعية الثورة على أنظمة الحكم، متخذا من “الجزيرة” منبر، وذهب إلى حد إهدار دم القادة، كما فعل مع معمر القذافي وبشار الأسد، الذي أفتى بجواز محاربته وكل من سار في فلكه بما فيهم العلماء، واتهم البوطي بالانحراف عن جادة الصواب وفقدان العقل والعلم، ليتم اغتيال البوطي بعد ذلك بأربعة أيام فقط داخل مسجد الايمان بدمشق.
كما فجر القرضاوي جدلا كبيرا في بعض آرائه الفقهية لأنه “يقدم الرأي على الدليل الشرعي خضوعا لضغوط العصر الحديث”، مثل إعلان كتمانه سنة 2009 لاجتهادات فقهية وفتاوى حول قضايا معاصرة تجنبا لتشويش الجماهير عليه، بدأ يربط نشاطاته ومواقفه العلنية بالسياسة، إذ انتقد دعوة قطر في 2001 لعقد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، ارييل شارون، والرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، واستنكر ترخيص قطر لصحفي دنماركي يعمل بصحيفة نشرت الرسوم المسيئة للنبي محمد عام 2005 بالمشاركة في الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي 2003 رفض تواجد القواعد الأمريكية في الخليج.
وأمام اجتهاداته المرافقة للعصر، أثار القرضاوي مناهضة عدة تيارات، دينية ومدنية، منها، السلفيون، الجهاديون، وبعض الشيعة بسبب تحذيره من خطورة تنامي ما يوصف “بالمد الشيعي ومحاولة غزو المجتمع السني.
القرضاوي، الذي يعتبر شاعرا أيضا وبامتياز، أنجز ما يزيد عن 120 مؤلفا وكتابا، والعديد من الفتاوى، كما سجل العديد من حلقات البرامج الدينية، تناول فيها هموم الجانب الشرعي من حياة المسلم، والتحديات التي تواجهها “الصحوة الإسلامية” وكيفية ترشيدها، منها على “الإخوان المسلمون.. سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد “، “فوائد البنوك هي الربا الحرام”، “الحلال والحرام في الإسلام”، “الاجتهاد في الشريعة الإسلامية”، “غير المسلمين في المجتمع الإسلامي”، “الإسلام والعلمانية وجها لوجه”، “الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي”، “من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا”، “الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم”.
ووسط تحرك القرضاوي في كل أصقاع المعمورة، سجلت محطة الجزائر في حيلته بأحرف من ذهب، حيث كان يقول دائما إنها بلده الثالث، بعد مصر وقطر، إذ كان من أوائل العلماء، إلى جانب محمد الغزالي، رحمه الله، الذين شاركوا في ملتقيات الفكر الإسلامي، وساهموا في إنجاحها وإعطائها بعدها الدولي، وكان له احتكاك بمفكري وعلماء الجزائر، وعلى رأسهم عبد الرحمان شيبان وأحمد حماني، وتطور نشاطه بالجزائر ليتولى إلقاء دروس في الفقه بالجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة بعد إنشائها، وقد سجل كل ذلك في مذكراته، وخاصة ما تعلق بتفاصيل أول اتصال به في قطر، نشر بعضها على موقعه الشخصي على الأنترنت، وما زاد من ارتباط القرضاوي بالجزائر زواجه من الجزائرية أسماء بن قادة.
.
يوسف القرضاوي..والخروج على الحاكم
تميزت مواقف الشيخ يوسف القرضاوي بالتناقض تجاه الموقف من الحاكم، فهو أول من تصدى للخروج المسلح على الحاكم، واعتبر ذلك استمرارا لنهج الخوارج، وبدأ فتاواه ضد مجموعة صالح سرية وحركة الجهاد المصرية، وكان هذا هو تعقيبه على حادثة الكلية الفنية في بداية السبعينيات، حيث اتهمهم بالخوارج، ذلك ما قاله في كتابه “الاسلام بين الجحود والتطرف”.
كان الشيخ القرضاوي ينهج في ذلك موقفا تقليديا لعلماء المسلمين السنة، ولكنه أيضا كان قريبا من توجه سياسي معين في الساحة الإسلامية لا يتبنى العمل لمسلح في عملية التغيير.
تواصل موقف الشيخ القرضاوي ليشمل المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب، حيث قال عنه حسب ما يرويه الأستاذ ضياء رشوان: انه لا ينتمي الى أهل السنة والجماعة وأن أفكاره أفكار خارجية..وذلك بسبب موقفه من أنظمة الحكم ودعوته للخروج على الحاكم الذي لا يطبق حكم الله.
وفيما بعد، واجه الشيخ دعوات السلفيين المتنطعين والتكفيريين وجماعاتهم بشعار أخذ رواجا كبيرا وتم تعميمه على مستوى واسع بين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ألا وهو مصطلح الوسطية والاعتدال، حتى أصبح معروفا بهذا المصطلح، ونبذ كل ما من شأنه ان يخرج بالناس على الحاكم مهما بلغت تصرفاتهم..
واجه الشيخ القرضاوي حملة واسعة من قبل علماء الوهابية والسلفية بشكل عام، إلا أنه ظل من خلال برنامجه الأسبوعي يدعو إلى السلم في المجتمع وينبذ كل أشكال العنف والخروج عن الحاكم بالسلاح.
وقبيل ما يسمى بالربيع العربي، اتجه الشيخ يوسف القرضاوي الى ليبيا وسوريا بالذات ليصافح حكامهما ويبشر بمرحلة جديدة من الوفاق في ظل حكمهما..وقال قولا تصالحيا مع الانظمة، وبناء على ذلك أفرج القذافي عن عشرات من المعتقلين من الجماعة الإسلامية الليبية..
إلا أنه وبمجرد انفجار الأوضاع في ليبيا تصدى الشيخ للموضوع معلنا تأييده للثورة وتطور الأمر لدعوته الى قتل القذافي، بل وصل الأمر الى أن أعلن الشيخ موقفا استغربه كثيرون عندما قال انه لو أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان موجودا لكان تحالف مع الناتو ضد القذافي..والموقف نفسه أخذه تجاه النظام السوري، حيث أفتى بقتل كل من يقف مع النظام بغض النظر عن طبيعة الأشخاص..وكانت تصريحاته الأخيرة تجاه الشيخ البوطي غريبة، حيث ألغى عنه العلم والرشد وحمله مسؤولية القتل في سوريا..الأمر الذي حمله البعض على أنه تحريض مباشر على القتل.
يؤخذ على القرضاوي سكوته عن أنظمة وراثية تتعاون مع الصليبيين في الحرب على الإسلام والمسلمين، وشنه حربا لا هوادة فيها ضد أوضاع لم تزل في حالة رفض للتطبيع مع إسرائيل..
.
الشيخ المأمون القاسمي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى لـ”الشروق”:
الاختلاف بين العلماء تنوع وتكامل لا تعصب وتسفيه وتكفير
تأسف الشيخ مأمون القاسمي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى لحالة “الاختلاف” التي أصبح يعيشها علماء الأمة الإسلامية بسبب ما يعرف بثورات “الربيع العربي”، والتي غذت الاختلاف ليتحول إلى “تصادم” وتراشق بالفتاوى والتأويلات والأحكام العدائية والتكفيرية.
وعلق الشيخ مأمون القاسمي، في اتصال مع “الشروق” على هذا الوضع قائلا “نحن نعتقد أن الأصل في الاختلاف أن يكون اختلاف تعدد وتنوع وتكامل وألا يتحول إلى تعصب وتخاصم وإقصاء رأي الآخر.. كل مجتهد قابل للإصابة والخطأ، وفي الحالتين مأجور”، وأضاف “فالمطلوب من العلماء العمل على تعزيز وحدة الأمة ونشر روح التسامح والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الفرقة”.
وشدد شيخ الزاوية القاسمية في معرض حديثه على ضرورة التزام علماء الأمة الإسلامية بسنة الاختلاف، واستنكر تحويل الاختلاف إلى سبب لإثارة الشبهات وإشعال فتيل الفتنة، وقال “عليهم أن يركزوا في خطابهم على مواضيع الاتفاق للاجتماع حولها والتغاضي عن نقاط الاختلاف، على العالم أن يلتزم بأدب الاختلاف وأن يحترم الرأي الآخر وألا يسفهه أو يطعن في عقيدته أو يكفره لمجرد اختلافه في الرأي أو المذهب”.
وأضاف رئيس الرابطة الرحمانية للزوايا الجزائرية في نفس السياق، محذرا من خطورة انزلاق العلماء المتعصبين لآرائهم إلى حد تكفير غيرهم من العلماء “ابلغ ما يعبر عن حال الأمة عندما يسود فيها خطاب الغلو والتعصب” حسب ما جاء في رسالة الزاوية القاسمية “إن ذلك خروج عن جادة الصواب وجرأة على الله عظيمة وخرق سياج يتعثر رتقه وفتح باب فتنة يتعذر غلقه”.