هل حُسم الصراع حول مرشح السلطة في الرئاسيات؟


Sans_titre_1_494999857
الجزائر: محمد شراق

للمرة الثانية في ظرف أسبوع، بعد رسالته المقتضبة التي دافع فيها عن المؤسسة العسكرية، على إثر حادث سقوط الطائرة العسكرية، عاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، للحديث عما تردد حول العلاقة المتوترة بين رئاسة الجمهورية والجيش والمخابرات، لكن هذه المرة بأكثر تفاصيل. ويفهم من الرسالة الجديدة أن الرئيس أراد التأكيد مرة أخرى، ربما أن الرسالة الأولى لم تصل جيدا، أنه لا توجد خلافات بين الرئاسة وهيئة أركان الجيش ودائرة الاستعلامات والأمن، رغم ما أثير في الأيام الأخيرة من اتهامات أطلقها أمين عام الأفالان عمار سعداني، المحسوب على جناح الرئاسة، ضد رأس جهاز المخابرات “الجنرال توفيق”. كما تأتي هذه الرسالة بعد حديث الجنرال المتقاعد حسين بن حديد عن أن تعيين الفريق ڤايد صالح نائبا لوزير الدفاع هو محاولة لاستفزاز توفيق، ومباشرة بعد التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش والذي اعتبر فيه أن “منظومة الحكم وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على صناعة مرشح لها في الرئاسيات”، ما يطرح سؤالا مفاده: هل رسالة الرئيس تعبير عن أن الصراع في أعلى هرم السلطة حول مرشح النظام لانتخابات 17 أفريل القادم قد تم حسمه؟ ويعزز هذا التساؤل ما تحدث عنه رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري بأن هناك “صفقة سياسية خطيرة تدبّر في ربع الساعة الأخير للرئاسيات”، حيث قال: “المتصارعون سيعملون على محو آثار الكوارث التي تسببت فيها صراعاتهم للدخول صفا واحدا للانتخابات”.

بعد الأحزاب والإبراهيمي وبن يلس وعلي يحيى ثم حمروش
الرئيس بوتفليقة.. آخر من تكلم

أخيرا تكلم الرئيس بوتفليقة، ولما يتكلم الرئيس في هذا الظرف “العصيب” بإجماع الفاعلين السياسيين، يعني أنه فعلا هناك خطر، لكن الخطر الحالي المحدق بالبلاد ليس وليد اليوم ولكنه يعود إلى يوم انتقل إلى “فال دو غراس” للعلاج من الجلطة الدماغية. اللافت أن كلام الرئيس بوتفليقة عن الرئاسة والجيش والمخابرات يأتي يوما واحدا فقط من بيان مولود حمروش، وأياما قليلة من البيان المشترك للثلاثي: أحمد طالب الإبراهيمي ورشيد بن يلس وعلي يحيى عبد النور، وهؤلاء جميعا بمن فيهم الرئيس بوتفليقة تحدثوا عن الخطر، وقد غاصت شظايا هذا الخطر في أوصال الدولة بمكوناتها.
واللافت أيضا أن حديث “الجماعة” بمن فيهم الرئيس كذلك جاء في صيغة “إعلام من لا يعلم بالخطر”، وكأنما الخطر الذي يهدد بلادا هي أصلا مهددة اكتشف للتو، وكأنما الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وحتى عموم المواطنين خانهم ذكاؤهم بأن هناك فعلا خطرا يتعاظم يوما بعد يوم كلما تعاظم صمت القاضي الأول في البلاد إزاء ما يحدث أو إزاء ما يدور في الأروقة المظلمة والعلنية من “خياطات” تحل وتربط في كل مرة، وما يحدث على الساحة الوطنية من انقباض سياسي واجتماعي غير مسبوق ولم يحدث حتى في عز الأزمة الدموية التي غرقت فيها البلاد في التسعينات.
لكن ملاحظة واحدة يمكن استقاؤها في الظاهر بشأن الراهن السياسي الموسوم بالانسداد وكلام الرئيس بوتفليقة بمناسبة يوم الشهيد أمس وقبله الشخصيات الثلاث وبينهما خرجة رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، والملاحظة تكمن في أن “نسق الاستماع” عند الجزائريين بنخبهم وبسطائهم ومثقفيهم وغيرهم لازال مضبوطا على عقارب “الأسرة الثورية”، بما أن من حظي بالصدى إزاء الحديث عن الأزمة هم أحمد طالب الإبراهيمي وهو مجاهد، ورشيد بن يلس وهو مجاهد، وعلي يحيى عبد النور وهو مجاهد، ومولود حمروش وهو مجاهد، ثم الرئيس بوتفليقة وهو مجاهد أيضا. مع العلم أيضا أن رسالة الرئيس أمس جاءت بمناسبة يوم الشهيد.
وقبل هؤلاء غردت أحزاب سياسية كثيرا حيال الحاصل من انسداد، فهل يعني هذا أن “الشرعية الثورية” التي يتشبث بها جيل الثورة انتقلت من “الملقي الى المتلقي”، بمعنى انه حتى المستمعون ينتقون تصريحات ويحسبون أهميتها بأهمية من يطلقها؟ كالذي حصل مع الربع الأخير للانتخابات الرئاسية أو على الأقل لانتهاء آجال سحب استمارات الترشح قبل أسبوعين من الآن؟
تداخلت “التدخلات الثقيلة” في ربع الساعة الأخير، بينما نداءات “بحت” حناجر أصحابها بضرورة أن يتكلم كل من يهمه الأمر، على الأقل لإراحة ضمائرهم أمام التاريخ وأمام الشعب، من هؤلاء الذين كانوا يوما ما في نظام هو بالذات مازال قائما، لمن وماذا قال هؤلاء؟ وهل أقنعوا الشعب الجزائري بقولهم؟ بين من يطالب هؤلاء بالصمت وترك الفرصة للشباب لإبداء رأيه، وبين آخرين يجدون في الأوزان الثقيلة الصامتة رأيا يمكن له أن يضع الإصبع على الجرح، وبين الفريقين بلد وشعب بأكمله معلق على مقبض رجل واحد هو بوتفليقة وقضية واحدة هي “العهدة الرابعة”.
هل تغير بوتفليقة أم أن المرض أثناه عن الحديث؟ هذا السؤال يجرنا إلى ما درج عليه القاضي الأول في البلاد لما كان “يمرمد” المسؤولين على المباشر، وقبل أيام فقط كان أطراف في السلطة يرفضون تسمية “أزمة” على الانسداد الحاصل، وفقا لنظرة تقول إن أجنحة النظام التي نفى الرئيس تطاحنها أمس لم تتفق على مرشح لاستخلاف بوتفليقة، لكن هذه المرة وسماها القاضي الأول في البلاد سِمة “أزمة رسمية”، وقبله وصفها كذلك العارف بخبايا النظام مولود حمروش بهذه الصفة، ووصف وضع تمر به البلاد بأزمة وأكثر من ذلك “أزمة خطرة” يعني أن تدخل “كبار القوم” في ربع الساعة الأخير من أجل تشخيصها وارسال دعوات التهدئة: يأتي ولهيب النار صار مستعصيا إخماده.
الرئيس بوتفليقة وحده الذي كان مخولا لوضع “متراس” أمام تقدم عدوى التصريحات والتصريحات المضادة في جدال الرئاسة والجيش والمخابرات. وجدال كهذا كان كفيلا بزج بالبلاد في مأزق مظلم، وذلك قياسا بالقسم الدستوري الذي أداه الرئيس لما انتخب لثالث مرة عام 2009. وأورد فيه “أقسم بالله أن أدافع عن الدستور وأسهر على استمرارية الدولة وأعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري، وأسعى من أجل تدعيم المسار الديمقراطي وأحترم حرية اختيار الشعب ومؤسسات الجمهورية وقوانينها، وأحافظ على سلامة التراب الوطني ووحدة الشعب والأمة، وأحمي الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن، وأعمل من دون هوادة من أجل تطور الشعب وازدهاره، وأسعى بكل قواي في سبيل تحقيق المثل العليا للعدالة والحرية والسلم في العالم”.

– See more at: http://www.elkhabar.com/ar/politique/387172.html#sthash.YOYMEwYU.dpuf

أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑