تجديد العلبة السوداء


1891294_10201721962952992_1448216329_nتجديد العلبة السوداء في الجزائر

لفهم طبيعة الامور وما يجري على الساحة الوطنية يجب ان نعرف من يملك السلطة في الجزائر اليوم،سلطة المال،سلطة الاعلام،سلطة القوة، اللوبي الثقافي الفرانكوفوني.
سلطة المال ويمتلكها الآن ارباب العمل وعلى راسهم عشرات المليارديرات الجدد الذين استفادوا من كل التسهيلات في فترة حكم بوتفليقة وفترة ارتفاع اسعار البترول،هؤلاء استفادوا من قروض خيالية عن طريق المحسوبية والرشوة والتدخلات الفوقية،واستفادوا من اعفاءات جمركية وتصريحات جمركية خاطئة ,فنهبوا الملايير من جبايات الجمارك ومن التهرب الضريبي الكبير، كما استفاد بعضهم من الحصول على مشاريع مربحة كبيرة بمبالغ خيالية في قطاعات الاشغال العمومية والسكن واستيراد التجهيزات لمختلف الوزارات والمؤسسات العامة.

اما سلطة الاعلام فهي مسيطر عليها من طرف المخابرات ومن طرف لوبي الرئاسة والبقارة،فمؤسسات كالشروق والنهار شقت طريقها بتدعيم كبير من اطراف في السلطة عبر الاشهار والمطابع وبالمقابل فمهمتها هي الترويج للنظام والتغطية على فشله وفساده بتخذير الرأي العام وتزوير الحقائق.

واخيرا سلطة القوة العمومية والجيش وهي مقسمة الى مخابرات شرطة درك وجيش،دستوريا وقانونيا كلها تتبع لرئيس الجمهورية القائد الاعلى للجيش،كل قوة تستعمل في الوقت المناسب وفي المكان المناسب حسب مقتضيات الوضع.

اما اللوبي الفرنكوفوني فهو موجود في الجزائر من زمن فرنسا, وقد تقلد عناصره مناصب كبيرة بعد الاستقلال, وتواجد في الادارة والبنوك والتعليم والثقافة وحتى في الجيش،هذا اللوبي مهمته هو محاربة اي توجه عروبي او اسلامي في المدرسة الجزائرية, وفي قطاعات كالاعلام والثقافة كذلك،اما في الاقتصاد فقد وقف هذا اللوبي دوما ضد الاستثمارات العربية ويشجع الاستثمارات الفرنسية وعمل على ابقاء الادارة والبنوك تعمل بالفرنسية.

الشيء الملاحظ ان سلطة الشعب والقضاء ضلت دائما غائبة او مغيبة ، ربما تلجأ أطراف في السلطة الى الشعب والشارع وتسخره لتحقيق أهدافها متى رأت حاجة لذلك.
فالقضاء الساهر على تطبيق القانون ومعاقبة اللصوص اصبح يعاقب صغار المجرمين واللصوص ويحمي الكبار منهم،كما ان المجلس الوطني المشرع والواضع للنصوص فقد صلاحيته لصالح رئيس الجمهورية الذي يشرع بمراسيم حسب هواه ومصالحه،وحتى عندما يطلب منه التشريع فهو يشرع نصوص وقوانين تحت الطلب وليس حسب الارادة والرغبة الشعبية.

العلبة السوداء في الجزائر تحتوي على عناصر تتحكم وتمتلك السلطات التي ذكرتها ، وعناصر العلبة السوداء تتجدد حسب التطورات والانقلابات الداخلية والدعم الفرنسي الغربي.
بعد الاستقلال وحتى وفاة بومدين تجمعت خيوط اللعبة في يده ومعه مجلس الثورة وبارونات الافة لان،غير ان وفاة بومدين ومجيء الشاذلي بن جديد سمح لعناصر اخرى بالدخول الى العلبة، وهؤلاء هم ضباط فرنسا الذين كانوا تحت رقابة بومدين وكان يحد من نفوذهم ، ورجال المال وكان يضع سقفا لاستثماراتهم،هؤلاء تسللوا خلال فترة الثمانينات واستولوا على مقاليد الحكم مع بداية التسعينات وتخلصوا من الضباط الوطنيين وازاحوهم من هرم السلطة,وهؤلاء مع اللوبي الفرنكوفوني هم من قاموا بانقلاب سنة 1992 وورطوا كل الجيش والامن والمجاهدين بعد ذلك.

ان ازمة التسعينات ساعدت على تغيير مكونات العلبة السوداء،حيث صنعت الظروف الامنية الخاصة اقطاب داخل المؤسسة العسكرية، قطب المخابرات بقيادة الجنرال توفيق اصبح يوازي والدفاع وقيادة الاركان بقيادة الجنرال خالد نزار ثم الجنرال محمد العماري، وقد وقعت اختلافات داخلية جزئية حول طرق معالجة الازمة، غير ان نجاح الجنرال اسماعيل العماري والعقيد ايوب وفريق المخابرات في تحييذ الايياس وتوقيع اتفاق الهدنة ومن ثم انهاء الصراع الدموي،هذا النجاح فتح المجال لانهاء دور الرئيس زروال الامني وفتح المجال لمجيء الرئيس بوتفليقة ودوره التمييعي والبزنسي.

في نفس الوقت الذي كان الصراع على اوجه بين الجيش والامن والجماعات المسلحة ،وبينما كانت الكثير من الرؤوس تتساقط وكيان الدولة يواجه خطر السقوط ،كانت هناك مجموعة من خفافيش الظلام تتصيد الفرص للإغتناء على انقاض الاقتصاد الوطني الذي قارب على الانهيار،هاته المجموعة من التجار وبعض العسكريين كانوا في انتظار تهاوي مؤسسات بومدين لتستولي عليها باسعار زهيدة، وساعدهم صندوق النقذ الدولي بشروطه لتحرير الاقتصاد الجزائري،فسرح الالاف من عملهم وتوقف الانتاج الوطني ليتم تعويضه بالاستيراد.

الخلاصة هي ان توقف عنف التسعينات، ودخول الليبيرالية المتوحشة الى الجزائر ،وصعود كبير لاسعار المحروقات وخلط السلطات وضعف القانون جعل المستحيل ممكنا للكثير من الديناصورات, ليصبحوا سوبر ميليارديرات في وقت قصير, مما دفع بالثروة لتتركز في ايديهم، وينتج عن ذلك ضياع العدالة الاجتماعية وتهميش الريف, وتقسيم المدينة الى احياء فقيرة او غيتوهات واحياء شعبية واحياء راقية…..واغتيال اي حظ في خلق طبقة وسطى واعدة تحرك الاقتصاد وتخلق الفرص.
وبوفاة وانقراض عناصر فاعلة في العلبة السوداء من عسكريين وبارونات سياسية محسوبة على عهد الشرعية الثورية,نشأ جيل جديد من الجنرالات الخبزيست ، شباب ومثقفين،والغير مسياسين،كما نشأ جيل من الديناصورات المالية وهذان الفريقان هما الآن يشكلان اهم مكونات العلبة السوداء….وربما هما شريكان في صناعة رئيس الجزائر القادم والذي سيخلف بوتفليقة قريبا, ومن الضروري كذلك الإشارة الى ان قوة الرئيس بوتفليقة مستمدة من منصبه وصلاحياته, ومن رجالاته من أرباب المال والأعمال, ومن ضباط ساعد في ترقيتهم وتعيينهم في مراكز حساسة,بعض هؤلاء يشكلون توازنا لصالح ال بوتفليقة داخل العلبة السوداء.

احسن بوشة

أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑