ياسف سعدي:كريم بلقاسم وعبَّان وبن خدة وسعد دحلب تخلُّوا عن الشعب


2014_yacef_saadi_4_854783773اتهم العقيد ياسف سعدي كل من كريم بلقاسم وعبان رمضان وبن يوسف بن خدة وسعد دحلب، بالتخلي عن الشعب والتهرُّب من مسؤولياتهم في إضراب الثمانية أيام الذي قرروه بعد أن قرروا السفر إلى تونس والمغرب، مشيراً إلى أنه غضب كثيرا من سلوكهم، وأنه بذل ما في وسعه من أجل أن لا يتمكنوا من السفر، كما سرد ياسف سعدي تفاصيل إلقاء القبض على الشهيد العربي بن مهيدي بعد الوشاية التي تعرض لها.

من تقصد بقادة الثورة الذين هربوا وتركوك وحدك في القصبة؟

بعد أن اتخذ قرارُ إضراب الثمانية أيام من طرف كل من عبان رمضان وبن يوسف بن خدة والعربي بن مهيدي وسعد دحلب وكريم بلقاسم، والذي كان يهدف في الأساس إلى إسماع صوت الثورة الجزائرية إلى الرأي العام العالمي وإلى هيئة الأمم المتحدة، وأن الشعب الجزائري وكل هؤلاء وعوض أن يبقوا إلى جانب شعبهم ويتقاسمون معه محنة الإضراب، فضلوا الهروب إلى خارج الوطن، وقد حاول بن مهيدي ذلك بدوره ولكن فرنسا ألقت القبض عليه قبل السفر إلى تونس.

إلى أين ذهبوا؟

هربوا إلى تونس والمغرب وتركوا الشعب لوحده، يواجه قمع المستعمر الفرنسي، نعم بعد أن قرروا الإضراب هربوا وتركوا الشعب في فم المدفع، لقد هربوا من جحيم فرنسا إلى حضن الأمان والحياة الهادئة، غضبتُ كثيرا وأقسمت ذلك اليوم أنني لن أتسامح معهم أبدا، فالثورة والمعركة كانت في الجزائر ولم تكن في تونس أو المغرب حتى يسافروا إلى هناك، وقلت لهم ليس من حقكم فعل هذا والتاريخ يشهد أن كبار المناضلين في العالم لم يتخلوا عن شعوبهم وكافحوا إلى جانبها فتشي غيفارا مازال حيا بين شعبه بسبب نبله وتضحياته والجنرال جياب وغيره كثيرون كذلك. وبعد ذهابهم، وقع عليّ ثقل المسؤولية لأنني توليت زمام الأمور في الجانبين السياسي والعسكري معا.

ماذا كان مصيرهم؟

قتل عبان رمضان وجبهة التحرير هي التي قتلته.

هل صدر حكم بالإعدام في حقه؟

لا، لم يصدر أي حكم ولكنهم قتلوه في المغرب، المهم مرت الثورة بأزمة كبيرة بسبب الخلط في العديد من الأمور، وسفر هؤلاء إلى الخارج، فالثورة كانت هنا في الجزائر ولم تكن في تونس أو المغرب كما سبق وأن قلت لك.

أُلقي القبض على العربي بن مهيدي في تلك الأيام، أليس كذلك؟

نعم، كان يحضِّر نفسه للسفر إلى جانب بقية الجماعة، وذهب إلى المكان الذي كنا نلتقي فيه بضواحي شارع محمد الخامس، وبعد الوشاية التي تعرَّض لها انكشف أمرُه أمام السلطات الاستعمارية فحاصرته وألقي القبض عليه بينما كان في تلك الغرفة التي كنا نلتقي بها.

من الذي وشى به؟

لا مصلحة لي في ذكر اسم الشخص الذي وشى به. عندما ألقي القبض عليه أخذوه إلى الجنرال بيجار، فسأله إن كان ينتمي إلى جبهة التحرير الوطني؟ فقال له العربي بن مهيدي: أنا مسؤول في الجبهة. وجرى بينهما حديثٌ مطول هدف بيجار من خلاله إلى تحويل العربي بن مهيدي إلى “بيَّاع”، ولأن العربي بن مهيدي كان شديد الذكاء لم ينجح في ذلك ونشأت علاقة بين الرجلين، وعندما سمع “مترون” بإلقاء القبض على أحد قادة الثورة قال: يجب أن نتخلص منه، فنقلوه إلى الحراش وهناك جاء أمرٌ من السلطات الاستعمارية بإعدامه لأنه لن يخدم الفرنسيين في شيء وكان يُلقب بـ”المدمن على الثورة”، خاصة وأن عدداً من الثوار الذين ألقي القبضُ عليهم أصبحوا يعملون لصالح السلطات الاستعمارية، وعندما وصل موعدُ إعدامه، أخذوه إلى المكان الذي سيُنفذ فيه حكمُ الإعدام، فطلب منهم عدم إغماض عينيه، وبعد أن نُفذ فيه الحكم، كتبت الجرائد الفرنسية أن “العربي بن مهيدي وُجد معلقا بقميصه” أرادوا أن يقولوا أنه انتحر وأنهم لم يقتلوه.

ما حقيقة ما حدث إذن؟

بعد أن تم قتله، جاء الرائد “أوساريس” أو “الكوموندو أوو” كما يلقبونه، وقام بتعليقه حتى يقال إنه قتل نفسه ولم يُقتل، أخذوه الى القطّار بعدها ليُدفن.

أوساريس قام بربط عنق العربي بن مهيدي بقميصه حتى يقول إنه انتحر ولم يستشهد

وبعد الاستقلال، حيث كان قد مر على استشهاده خمس سنوات قصدنا المكان رفقة أخته ظريفة بلمهيدي لنقل جثمانه ودفنه في مربع الشهداء بمقبرة العالية، ووجدنا أن آثار الرصاصات التي تلقاها مازالت على عظامه، وهذا أكبر دليل على إشاعة انتحار العربي بن مهيدي التي أطلقها الاستعمار الفرنسي، ولكن للأسف كل واحد يحكي حكاية عن وفاته، وآخر يتحدث عن تعرضه للتعذيب.

يقال إنك التقيت العربي بن مهيدي قبل 24 ساعة من إلقاء القبض عليه، ما هو آخر حديث دار بينكما؟

التقيته قبل إلقاء القبض عليه في القصبة بشهرين وسهرنا وتبادلنا أطراف الحديث مطولاً.

لا.. أنا أقصد اللقاء الذي جمعك به قبيل إلقاء القبض عليه؟

ذلك اللقاء كان قصيراً.. التقيته وأخبرته بأن “الجماعة” يخبرونه بأنه عليه أن يلحق بهم من أجل السفر، كان معنا في القصبة وأرسلته إلى “السكالة”، حتى لا يعرف الشخص الذي بُعث لإخباره بأن الجماعة تنتظره في المكان من أجل السفر إلى تونس والمغرب، مكانه في القصبة. وقبل أن يذهب إلى السكالة قضينا اليوم معاً وتناولنا العشاء معاً كذلك، وتبادلنا أطراف الحديث قبل أن أرسله إلى السكالة.

لماذا لم تذهب إلى السكالة بنفسك لإخباره بالأمر وبمكان التحاقه بالجماعة؟

كيف أذهب بنفسي وقد كنتُ محل بحث السلطات الاستعمارية الفرنسية؟ كنت أحرص على عدم الظهور حتى لا يتم إلقاء القبض علي، فأرسلت الطفل عمر لإخباره بذلك.

ما هو أخر حديث دار بينكما؟

لم يكن هناك حديثٌ معيَّن، ولكن أتذكّر أنه قال لي: “أطلب من الله أن لا يبقيني حيا إلى غاية الاستقلال”، فقلت له: لماذا يا “الحكيم” -كما كنا نسميه- كل ما نبذله اليوم في سبيل الاستقلال والحرية ثم تتمنى أن لا تكون على قيد الحياة في وقت الاستقلال؟ فردّ عليّ وقال: “الآن نحن نتقاتل فيما بيننا من أجل من سيحكم، فما بالك بعد الاستقلال؟”، وروى لي قصة ذهابه إلى مصر من أجل إحضار بن بلة ومحمد خيضر وقال لي “ذهبتُ إلى مصر وطلبتُ من بن بلة ومحمد خيضر أن يعودا إلى الجزائر وقلت لهما: الجهاد في الجزائر وليس في مصر، أنتما تستمتعان هنا بالسلم والأمان والشعب يقاسي ويلات الجهاد والاستعمار في الجزائر”، ثم تابع بلمهيدي حديثه قائلا: “نحن في وقت الثورة كل واحد منا يريد أن يستولي على زمام الأمور وينفرد بالسلطةـ فما بالك بعد الاستقلال؟” وكأنه كان يشعر بحجم الصراع على الكرسي بين رفقاء السلاح والتصفيات التي ستقع لهذا الغرض بعد الاستقلال، فتمنى رحمه الله أن لا يعيش إلى غاية الاستقلال، فاستجاب الله لدعوته.

نعود إلى حديثنا عن الشهيد العربي بن مهيدي، من أرسلت له إلى السكالة لإخباره بمكان انتظار بقية الجماعة له؟

بعثت إليه الطفل عمر الذي أحضره إلى القصبة وبعدها إلى المكان الذي من المفترض أن يلتحق بالجماعة التي كان من المفروض أن يسافر معها، ولأنه لم يجدهم تركوا له رسالة مفادها أن يلحق بهم، وكنت قبلها قد زوّدته ببطاقة تعريف، وأنا الذي كنت أقوم بإصدارها كما أصدرت مثلها لعبان رمضان وكل الجماعة التي سافرت بعد أن استعنت بختم من أحد الأصدقاء العاملين بالبلدية، وعندما وصل العربي بن مهيدي إلى المكان وجد نفسه لوحده واكتشف أن الجماعة سبقته، وحدث ما حدث عندما اكتشف الاستعمارُ الفرنسي موقعه.

ماذا حدث بالضبط؟

حاصر عساكرُ فرنسا المكان وقاموا بإلقاء القبض عليه. وبالمناسبة أذكر أنه كان يقول لي دائما عندما يسمع عن الأشخاص الذين كانوا يرشدون فرنسا إلى مخابئ المجاهدين، إنه يتمنى لو يُلقى عليه القبض حتى يرى إمكانية صبره على التعذيب.

هذا يعني أن قضية لقائك به قبل 24 ساعة من إلقاء القبض عليه لا أساس لها من الصحة؟

قبل أن يذهب إلى السكالة بيومين كان معي، وأنا من حضَّرت لقضية ذهابه إلى “حومة لقوَرْ” وزوّدته ببطاقة تعريف وطنية لأنني كنت أعرف شخصا في يعمل في البلدية ومنحني ختم البلدية، وكذلك أنجزت مثلها لعبان رمضان وغيرهم.

هذا يعني أنه مرّ عليك عندما جاء من السكالة؟

لا.. أنا من أرسلت لإحضاره إليّ لأن الجماعة التي يفترض أن يلحق بها غادرت، فحضّرت له الطريق من أجل اللحاق بهم، وبعثت معه الطفل عمر لمرافقته وإيصاله إلى المكان الذي من المفروض أن يلحق بهم من خلاله.

قلت لي إنك غضبت منهم على خلفية اتخاذهم لقرار السفر إلى كل من تونس والمغرب؟

نعم، وأرسلت إلى الكولونيل محمد قائد الولاية الرابعة وطلبت منه أن يمنعهم من السفر، لكنه لم يتمكن من ذلك وقال لي “هم المسؤولون ولسنا نحن”.

ألا يبدو نكراناً للجميل ما قلته بخصوص أن العربي بن مهيدي لم يكن يوما في العاصمة؟

أقسم لك أن العربي بن مهيدي لم يكن قائدا للعاصمة، كما أنه لم يكن يوما مطلوبا من طرف السلطات الاستعمارية، لأنه كان في لجنة التنسيق والتنفيذ التي كانت تسيِّر الثورة في كل أنحاء الوطن، وعندما جاء إلى القصبة أول مرة أنا الذي استقبلته.

يشاع عنك أنك دوّخت الاستعمار الفرنسي، بعد أن أصبحت قائدا للعاصمة، ما هي الإستراتيجية التي انتهجتها في ذلك؟

كنتُ لا أبقى في مكان واحد حتى لا يُلقى القبض عليّ، خاصة وأنني كنت محل بحث من طرف السلطات الاستعمارية، كما أن الله عز وجل منحني نعمة الحاسة السادسة وكان لي في القصبة 35 مخبأ، وعندما أتنقل بينها أتلحّف “الحايك” حتى لا يُكشف أمري، كما أنني كنت جد حذر في تنقلاتي.

تمكنت من القضاء على عدد من العسكريين الفرنسيين، كم كان عددهم؟

كانوا سبعة ضباط ولا أحب الحديث في هذا الموضوع.

نعود إلى مسارك، ألقت السلطات الفرنسية القبض عليك وحكم عليك ثلاث مرات بالإعدام، هلا رويت قصة إلقاء القبض عليك؟

القصة طويلة ولكن دعيني أرويها لك منذ البداية، كان يوجد شخص يدعى “قندريش حسان”، كان يتحرك في قهوة “بن كانون” وكان يقصدها لاعبو كرة القدم، وكنا نجتمع بها من أجل الاستمتاع بلعبة “الدومينو” والورق، أطلقنا على “قندريش” اسم “جودا” لأنه كان يشي بنا ونحن نلعب “الدومينو”، ولكن لم نكن نعرف أنه كان يحضِّر لضربنا والوشاية بنا لدى المستعمِر الفرنسي خاصة وأنه كان يشاركنا كل شيء حتى لعب كرة القدم، كما أنه كان من المعجبين بمصالي الحاج وكان يسكن في “زنقة بوعقاشة”، أذكر مرة أنني كنت مارا من المكان رفقة علي لابوانت من الحي الذي تسكن فيه المجاهدة جميلة بوحيرد وبلحفاف، ولأن تواجدنا بالمكان صادف تواجد دورية عسكرية من الحي، حاولنا الهروب خوفاً من إلقاء القبض علينا، ووجدنا باب بيت مفتوح فدخلنا فوجنا بالبيت المدعو “قندريش” وشخصاً آخر يُدعى “آدار” كان معنا في المنظمة السرية، أمام الحي الذي تسكنه جميلة بوحيرد والشخص الذي يدعى “الحفاف” فرفعوا أيديهم إلى السماء، فقلنا لهم: لم نأت لقتلكم، لقد هربنا من العساكر.. وأكدنا لهم أننا لن نصيبهم بسوء، وقمنا بشرح مبادئ الثورة لهم وأقنعناهم بها وبأن المناضلين الأحرار هم الذين قرروا القيام بهذه الثورة من أجل إخراج المستعمر الفرنسي من أرضنا، ولأن المسؤول على منطقة الجزائر “3”، وكانت العاصمة في ذلك الوقت مقسمة إلى ثلاثة مناطق، قد ألقي القبض عليه، فقد اقترحت عليهما أن يتوليا هذه المنطقة ونصّبنا “أدار” مسؤولا عليها و”قندريش” نائباً له بعد أن جربناهما.

ماذا حدث بعدها؟

خلال إضراب الثمانية أيام، اختفى غالبية المسؤولين خوفا من إلقاء القبض عليهم، وبحثت عن مسؤولي المنطقة الثالثة بالعاصمة فعرفت أنهم كانوا يختبئون عند الفنانة لطيفة، فكرت في طريقة للاتصال بقندريش وقررت أن أتصل بزوجته من أجل الوصول إليه، فقصدتها وقلت لها: إذا وصلك أي خبر منه فأرجو أن تبلغيني به، فجاءت إليّ بعدها بيومين وقالت لي: زوجي مازال على قيد الحياة ولكن “آدار” قتل. وبعدها ظهر “قندريش” والذي سمى نفسه “زروق”، وطمأنني وقال لي “لن نتوقف عن الكفاح” وأبدى لي استعداده التام لخدمة الثورة.

وفي يوم من الأيام كان يقيم في بوزريعة رفقة شخص يدعى باكال والشهيدة مليكة قايد التي كانت متزوجة من أخ الزهرة ظريف بيطاط، اقتحم العسكر البيت الذي كانوا يختبئون فيه بمساعدة من شخص يدعى مولاي علي – ورغم أنه خائن إلا أن اسمه أطلق على مستشفى بعد الاستقلال- وقد تمكن “باكال” من الهرب رغم أنه كان مصاباً وألقي القبض على قندريش “زروق”، أخذوه إلى سوسطارة وبمجرد أن شرعوا في التفاوض معه قال لهم “أنا مستعد للتعاون معكم” وأصبح فعلاً يعمل معهم دون أن نتفطن إلى ذلك.

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑